ارتفاع حجم التمويل الدولي لقضايا المناخ والصحة ليبلغ 7.1 مليار دولار في 2022، ووجود تحديات تعيق استفادة الدول الأكثر تضرراً
أعلنت مبادرة “بلوغ الميل الأخير” بالتعاون مع مؤسسة “إس – مجموعة سانوفي”، ومؤسسة روكفلر، عن إطلاق تقرير جديد حول التمويل الدولي الموجّه لمعالجة قضايا المناخ والصحة. وجاء الإعلان على هامش الاجتماع السنوي الـ 55 للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد حالياً في دافوس بسويسرا.وأوضح التقرير المعنون “رصد تدفقات التمويل الدولي الموجّهة لدعم أولويات قضايا المناخ والصحّة خلال الفترة من عام 2018 إلى 2022″، أن الالتزامات والتعهدات المالية للمناخ والصحة بلغت 7.1 مليار دولار في عام 2022، وهو ارتفاع كبير مقارنة بأقل من مليار دولار في عام 2018. ورغم أن هذه الزيادة تعكس اهتماماً متزايداً بأولوية معالجة قضايا المناخ والصحة بين كبار شركاء التمويل، إلا أن التقرير أشار إلى أن التمويل لا يصل بالشكل الكافي إلى الدول الأكثر تأثّراً بالتغير المناخي. وقد كشف التقرير أن أقل من نسبة 35% من التمويل المقدم من الجهات المانحة الثنائية يتم توجيهه مباشرة إلى تلك الدول، في حين لم يتجاوز نصيب الدول منخفضة الدخل من إجمالي التمويل المذكور نسبة الـ 50%.
وفي هذه المناسبة، قال الدكتور نافين راو، نائب الرئيس الأول لمبادرة الصحة في مؤسسة روكفلر: “رغم أن زيادة التمويل المخصص لدعم الجهود والمبادرات المناخية والصحية تمثّل خطوة واعدة نحو الاتجاه المنشود، فإن حجم التمويل الحالي لا يزال قاصراً عن تلبية الاحتياجات الملحة لحماية الأرواح وسُبل العيش من التداعيات المترتبة على التغيّر المناخي. كما يتعيّن على الجهات المانحة في القطاعات العامة والخاصة والمؤسسات الخيرية أن تضاعف التزامها تجاه قضايا المناخ والصحة، مع ضمان إيصال التمويلات إلى المجتمعات الأكثر حاجة”.
وخلُص التحليل الذي أجرته مؤسسة “سييك دِفيلوبمنت”، بالتعاون مع الشركة الاستشارية “أديلفي” ومؤسسة “أفريكاتاليست”، إلى أن تمويل المناخ والصحة يُقصَد به التمويل الدولي المتوفر بشروط ميسّرة والذي يتم تخصيصه للمشاريع المنفّذة داخل القطاع الصحي وخارجه، بهدف التصدي للتحديات الصحية المترتبة بشكل مباشر على التغيّر المناخي. هذا بالإضافة إلى دعم القطاع الصحي للتأقلم مع هذا التغير والحد من آثاره، وتحقيق مكاسب صحية مشتركة من جهود العمل المناخي.
وفي ضوء تنامي الزخم والدعم السياسي تجاه قضايا المناخ والصحة ضمن إطار مجموعة العشرين، ومؤتمر الأطراف، وجمعية الصحة العالمية، فقد عززت الجهات المانحة جهودها لتأمين التمويل اللازم للمشاريع التي تتقاطع فيها أولويات المناخ والصحة. وفي عام 2022، تضمنت هذا التمويلات:
- 4.8 مليار دولار التزامات من الجهات المانحة الثنائية
- 1.5 مليار دولار التزامات من اثنين من صناديق الصحة متعددة الأطراف
- 0.6 مليار دولار التزامات من أربعة مصارف تنموية متعددة الأطراف
- 130 مليون دولار التزامات من الجهات الخيرية
- 23 مليون دولار التزامات من عدة صناديق مناخ متعددة الأطراف
وقد أظهر التقرير أيضاً أن الجهات المانحة الثنائية أصبحت تُولي اهتماماً متزايداً تجاه دعم قطاع الصحّة والتي تشمل اعتبارات مناخية، حيث ارتفعت نسبة التمويل المخصص للقضايا الصحية ضمن التمويل المناخي من نسبة 1% في عام 2018 إلى نسبة 9% في عام 2022. ومع ذلك، جاء نحو نسبة 24% من التمويلات المتاحة في عام 2022 على شكل قروض بدلاً من منح، مما زاد من الأعباء المالية على الدول المستفيدة. علاوة على ذلك، تجاوزت نسبة القروض أكثر من نسبة 90% من إجمالي التمويل الذي قدمه كل من البنك الآسيوي للتنمية وبنك التنمية للبلدان الأمريكية لدعم القضايا المناخية والصحية.
وبدوره، قال نصّار عبد الرؤوف المبارك، الرئيس التنفيذي لمبادرة “بلوغ الميل الأخير”: “يمثل العمل المناخي المموّل بشكل كافٍ فرصة حقيقية لإحداث تحول ملموس في الدول واقتصاداتها، بالإضافة إلى تعزيز صحة ورفاه الجميع. ويؤكد هذا التقرير أن الوقت قد حان للالتزام بتمويل هادف ومنتظم ويسهل الحصول عليه، كي نتمكن من توجيهه إلى المناطق التي هي في أمسّ الحاجة إليه”.
ومن جانبها، قالت فانينا لوران ليدرو، المدير العام لدى مؤسسة “إس – مجموعة سانوفي”: “الدول الواقعة على الخطوط الأمامية لتحديات التغيّر المناخي بحاجة ماسّة إلى تمويل أكثر مرونة للحفاظ على صحة مجتمعاتها وسلامتها. ولم يعُد النهج التقليدي خياراً مقبولًا؛ إذ إن تعزيز التعاون بين القطاعات العامة والخاصة والمؤسسات الخيرية يمكن أن يُسرِّع الخطوات نحو تأمين التمويل المرن مباشرة إلى المجتمعات المحلية، مما يمنحها القدرة على بناء أنظمة صحية مرنة قادرة على مواجهة التغيّر المناخي بشكل عاجل”.
يسلط التقرير الضوء على عدة قيود تعكس التحديات التي تواجهها الدول على مستوى الشفافية والوضوح عند محاولة الوصول إلى التمويل. أولًا، تعتمد بيانات الجهات المانحة بشأن التزاماتها في مجالي المناخ والصحة على الإبلاغ الذاتي، مع وجود تفاوت في التعريفات المستخدمة للمناخ والصحة. وهذا التباين يجعل من الصعب التحقق مما إذا كانت تلك الالتزامات تمثل تمويلاً جديداً لمشاريع العمل المناخي والمبادرات الصحية أو مجرد إعادة تصنيف لالتزامات أو مشاريع قائمة ذات صلة غير مباشرة. ثانياً، يؤدي غياب البيانات الموحّدة عن تدفقات التمويل من الممولين والقطاعات المختلفة إلى عرقلة آلية مقارنة الفئات التمويلية. ورغم هذه العقبات، يقدم التقرير بياناته كخطوة أولى لرسم صورة شاملة لمشهد التمويل، ليكون مرجعاً أساسياً يسهم في تعزيز تمويل المناخ والصحة.
تعزيز الالتزامات العالمية وتحسين آليات الوصول إلى التمويل
في الوقت الراهن الذي يتسم بتعدد الأزمات وتزايد القيود المالية، تواجه الدول تحديات كبيرة في تأمين التمويل اللازم للأولويات المناخية والصحية. ويكشف التقرير أن التمويل المقدم من الجهات المانحة الثنائية قد يشهد ركوداً أو ربما انخفاضاً في المستقبل القريب. ومع ذلك، فإن المؤسسات التنموية متعددة الأطراف، إلى جانب المنظمات العالمية المعنية بالمناخ والصحة، تضع قضايا المناخ والصحة على رأس استراتيجياتها بشكل متزايد، مما يفتح آفاقاً جديدة للاستفادة من هذه الموارد لتحقيق الأهداف المشتركة في التصدي للتحديات المناخية والصحية. ورغم تزايد حجم التمويل المخصص لمعالجة قضايا المناخ والصحة، لا تزال الدول تواجه صعوبات في الوصول إلى هذه الموارد، نتيجة العمليات المالية المجزأة والمعقدة والمرهقة، إلى جانب محدودية القدرات المحلية التي تعيق الحصول على التمويل اللازم للمشاريع الكبرى.
وللتصدي لهذه العقبات، يدعو التقرير الجهات المانحة والمجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية وصنّاع السياسات إلى تعزيز دعمهم للدول في تأمين التمويل المطلوب عبر اتخاذ الخطوات التالية:
- زيادة التمويل المخصص للمناخ والصحة: توسيع نطاق التمويل الموجّه لحلول المناخ والصحة عبر القطاعات المختلفة يُعدّ ضرورة ملحّة، ويمكن تحقيقه من خلال تعزيز التنسيق الجهود بين مجتمعات المناخ والصحة والتنمية.
- مواءمة أولويات الدعم والأطر لتعظيم الأثر: تطوير تصور مشترك وواضح لمجالات الدعم ذات التأثير العالي، المستندة إلى الأدلة، ليكون مرجعاً إرشادياً للجهات المموّلة بهدف تخصيص المزيد من التمويل لهذه التدخلات، وكذلك دعم عملية اتخاذ القرار المحلي في تحديد الأولويات.
- تسريع آليات تقديم التمويل وتحسين الوصول إليه: يمكن للجهات المانحة تبسيط العمليات داخل الآليات التمويلية الحالية لتسهيل الوصول إلى التمويل المخصص للإجراءات المناخية والصحية الفعّالة ذات الأثر العالي، بينما تقوم الدول ببناء قنواتها التمويلية للإجراءات الأكثر تأثيراً. كما أن وضوح أولويات الدعم والأحجام التمويلية ومؤشرات الأداء الرئيسية وآليات التقديم المتاحة بشكل علني يمكن أن يسهم في تعزيز الوصول.
- توجيه التمويل نحو الأولويات الوطنية: في ظل استمرار تحديد الأولويات الوطنية وتحديثها (مثل المساهمات المحددة وطنياً)، يجب على الجهات المموّلة التعاون وتحقيق التكامل بين أوجه الدعم لتعزيز أثر المكاسب المحققة وتقليل الأعباء على الدول. كما ينبغي أن تركز جهود التمويل المستقبلي على زيادة التمويل القائم على المنح، لتجنب تفاقم أزمة الديون ومنع تقويض قدرة الدول الأكثر تضرراً على الاستثمار في مجالات الصحة والمناخ والرفاه الاقتصادي.
- توحيد التعريفات المستخدمة وزيادة الشفافية: ينبغي على الجهات المموّلة والهيئات الرسمية الاتفاق على تعريفات موحّدة وواضحة بموازاة استخدام منهجية متسقة للإبلاغ عن التمويل ضمن قضايا المناخ والصحة والمجالات المشتركة بينهما. لاسيّما وأن تقديم التقارير وفقاً لأعلى معايير الشفافية سيسهم في تعزيز الرؤية والشفافية حول الدعم المقدم، كما يمكّن الجهات المانحة والدول والأطراف الداعمة من تتبع التمويل مقارنة بالاحتياجات وسد الفجوات الحرجة.
حول الورقة البحثية (“التقرير”)
تماشياً مع المبادئ التوجيهية لمؤتمر الأطراف “كوب 28” بشأن تمويل الحلول المناخية والصحية، يأتي هذا التقرير استجابةً لحاجة واضحة إلى بيانات مالية أساسية ضمن مجالي المناخ والصحة. وقد تعاونت ثلاث منظمات داعمة لهذه المبادئ الإرشادية – مؤسسة “إس – مجموعة سانوفي” ومبادرة “بلوغ الميل الأخير” ومؤسسة “روكفلر” – لتوفير التمويل اللازم لإجراء هذا التحليل من خلال شركة “روكفلر كاتاليتك كابيتال”، التي عملت كجهة راعية مالية للمشروع. وتم إعداد التقرير كمساهمة ضمن في “التحالف من أجل العمل على إحداث التحوّل في المناخ والصحّة” (atach)، الذي يهدف إلى ترجمة الأهداف والطموحات التي تم تحديدها خلال مؤتمر الأطراف “كوب 26” لبناء أنظمة صحية مستدامة قادرة على التكيف مع التغيّر المناخي.
أعدت مؤسسة “سييك دِفيلوبمنت” هذا التقرير، بالتعاون مع الشركة الاستشارية “أديلفي” ومؤسسة “أفريكاتاليست”، وبمساهمة تحريرية من مؤسسة “غلوبال هيلث استراتيجيز”. وشارك في إعداد التقرير أكثر من 50 جهة تمويلية، وحكومات دول مختلفة، ومنظمات تنفيذية، وخبراء في مجال التمويل. وتم جمع البيانات عبر مقابلات فردية، وجلسات استشارية عُقدت بشكل مباشر على هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024 وقمة الصحة العالمية 2024، بالإضافة إلى جلسات استشارية افتراضية أُجريت خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2024. كما شمل التقرير مراجعات أقران ومصادر متنوعة من التحليلات والبيانات والرؤى.